نشرت المجلة الألكترونية ” ألترا تونس”حوار مطولا مع مدير عام بنك الجينات مبارك بن ناصر أكد من خلاله قيمة الزيتون التونسي وقال فيه بالخصوص
أعتبر الزيت التونسيّ الأفضل على الإطلاق غذائيًا وصحيًا وتجميليًا، وذلك مقارنة بما يتمّ إنتاجه في سائر البلدان.لكن بعضُ المؤشّرات تنبئ بخطر داهم في السنوات أو العقود المقبلة إن لم نتدارك الأمر.
- هلّا أوضحت لنا هذه المؤشّرات المقلقة تفسيرا وتفصيلا وتمثيلا؟
لو قمتَ يجولة في بعض حقول الزيتون الحديثة التي تزايدت خاصّة بعد موجة ارتفاع سعر الزيت، ستجد أنواعًا من المشاتل يمكن أن تتحسّس بمرأى العين أنّها الدخيلة، وقد أقبل الكثير من الفلاحين على استثمارها في أنشطتهم الزراعيّة رغبة في المحصول الوفير. من هذه المشاتل أذكر على سبيل المثال كورونا (Corona) وأربوزانا ( Arbozana ) وأربوكينا (Arboquina).
- هل في هذه العينات الدخيلة ما يتعارض مع شروط الصحّة والجودة؟
ليس فيها مخاطر أو عيوب، لكنّ قيمتها أدنى بكثير من الزيتون ذي الجينات التونسيّة الأصيلة غذائيًا وصحّيًا، كما تنطبق على هذه المشاتل الوافدة من وراء البحار نفس المعادلات التي ذكرناها حول الغلال وبذور القمح، فلا صبر لها على الحرارة والجفاف والملوحة، ولا تقوى على مقاومة الفيروسات، وهي تقتضي كما قلت لك عناية مركّزة وثروة مائيّة هائلة الأَولى بنا أن نستعملها في زراعات أخرى.
- ماذا عن عمر هذا الزيتون الدخيل؟
مشاتل الزيتون الأجنبيّة عمرها الافتراضي لا يتعدّى العشر سنوات، وقد يزيد قليلًا حسب النوعيّة ودرجة العناية.
- ما خطورة الإقبال على مشاتل الزيتون الدخيلة؟
الإنتاج الوفير لهذه المشاتل الوافدة يحقّق ربحًا سريعًا مدّة بضع سنوات، لكنّه لا يضمن الديمومة والاستمراريّة والاستقرار.
الخطر الحقيقيّ المفزع حقّا يتمثّل في إمكانيّة اتّساع هذا السلوك الزراعي، فقد يُفرّط الفلاحون في مشاتلهم الأصليّة، فيقبلون إقبالًا مفرطًا على المشاتل الوافدة، وهو ما قد يُفضي إلى ما أفضت إليه المغامرة غير المحمودة مع غلّة الدّلاع ، ويتكرّر حينئذ نفس السيناريو، فيتسلّم الفلاحون مشاتل الزيتون الدخيلة مجانًا ولمّا يتمّ التفريط في مشاتلهم الأصيلة الشامخة الصامدة يصبحون في مهبّ الابتزاز، فتُعرض عليهم المشاتل ذات العمر القصير والقيمة الغذائيّة الأدنى بأسعار باهظة.
- ما الحلّ؟ أليس ثمّة إمكانيّة لإيقاف هذا النزيف الجينيّ الزراعيّ؟
الخطوة الأساسيّة هي نشر الوعي والتشجيع على التّمسّك بالمشاتل الأصيلة، فليس من باب المزايدة أو التعصّب إن قلت لك إنّ شتلتي “الشملالي” و”الشتوي” مثلًا هما أفضل مشاتل الزيتون في الكون، وليس من باب التهويل إن قلت إن اقتلاع شجرة واحدة من تلك العينات الفاضلة الزكيّة أخطر من تحويل آثار قرطاج إلى أسواق لبيع السلع المهرّبة.
- ألا ترى أنّ المراهنة على التوعية غير كافية في ظلّ انتشار ثقافة الجشع وعقليّة الربح السريع؟
فعلا التوعية تبدو مفتقرة إلى النجاعة العمليّة “ما لم تكن لها أنياب”، لذلك لا بدّ من وضع قوانين صارمة تراعي مبدأ التّوازن بين الربح المادّي والفائدة الصّحيّة والمصالح الاستراتيجيّة والأصول الثقافيّة والذوقيّة.
- هل قدّمتم مبادرات في هذا الاتّجاه؟
جهّز بنك الجينات مشروع قانون لحماية تراثنا الجينيّ والمساهمة في ترشيد السلوك الرزاعي، وقد تضمّن هذا المشروع الذي أعدّه خليل مطيمط المختصّ في القانون الخاصّ، ستّة أبواب أوّلها وثانيها يتّصلان بالأهداف ومجال التّطبيق والسلطة المختصّة وبقيّة الأبواب تتعلّق بشروط الحصول على تراخيص أو تصاريح للتعامل مع المواد والموارد الجينيّة، كما ترتبط بالعقوبات الجزائيّة وسبل تسوية بعض النزاعات.
- ما صدى هذا المشروع الهادف إلى حماية الجينات الأصيلة والتصدّي لمخاطر بعض الجينات الدخيلة؟
تمّ تقديمه إلى سلطة الإشراف منذ مدّة، ونحن في انتظار دراسته والمصادقة عليه، ونطلب التعجيل بذلك.
- ماذا لو حصل الأسوأ وتواصل الاستخفاف بالموضوع والإعراض عن الجينات الأصليّة، هل يمكن أن يفضي ذلك إلى تلفها وزوالها؟
اطمئنَّ، فما يقع تخزينه في بنك الجينات لا خوف عليه، حتّى في صورة عدم استخدام بعض الجينات الأصيلة لمدّة عشرات السنين، وهو أمر مستبعد، فهي محفوظة بطريقة علميّة دقيقة وبأسلوب متطوّر وفي درجات حرارة مضبوطة.
ونحن واثقون أنّ مستقبل الجينات التونسيّة الشامخة الأبيّة واعدٌ، وستستعيد سلطانها على الأراضي الزراعيّة التونسيّة آجلًا أو عاجلًا بفضل الوعي والقانون والرقابة المستمرّة.
أحمد الزوابي
باحث من تونس