معنى آية: كهيعص، شرح تفصيلي كامل
معنى آية: كهيعص، شرح تفصيلي كامل
سورة مريم
سورة مريم سورة مكية عند جمهور العلماء، تقع في الجزء السادس عشر، وهي السورة التاسعة عشر في ترتيب المصحف،[١] عدد آياتها ثمان وتسعين آية في عدد أهل الشام والكوفة، أما في عدد أهل المدينة ومكة فتسع وتسعين، وهي السورة الرابعة والأربعون من حيث ترتيب النزول، نزلت قبل سورة طه، وبعد سورة فاطر، ورد اسمها في المصاحف وفي كتب التفسير وفي أكثر كتب السنة سورة مريم، وسمّاها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما باسم سورة كهيعص، وكذا وردت تسميتها في كتاب التفسير من صحيح البخاري، سمّيت سورة مريم بهذا الاسم لاشتمالها على قصة مريم وابنها عيسى عليه السلام وأهلها، [٢] سورة مريم كغيرها من السور المكية تناولت موضوع إثبات وجود الله تعالى ووحدانيته، وإثبات البعث والجزاء، كما أنها ذكرت عددًا من القصص منها؛ قصة ولادة يحيى بن زكريا عليه السلام، وقصة ولادة عيسى بن مريم عليه السلام، وجوانب من قصص عدد من الأنبياء مثل ابراهيم، وموسى عليهم الصلاة والسلام،[٣]
معنى آية: كهيعص، بالشرح التفصيلي
اختلف العلماء من أهل التفسير والتأويل في المراد بقول الله تعالى في مطلع سورة مريم: {كهيعص}،[٤] فذهب بعضهم إلى أنّ هذه الكلمة كلها اسم من أسماء الله تعالى، وذهب آخرون إلى القول بأنّ هذه الكلمة هي اسم من أسماء القرآن الكريم،[٥] وذهب آخرون إلى القول بأنّ هذه الحروف اسم للسورة التي وردت فيها أي سورة مريم، وقال آخرون بأنها قَسَمٌ أقسم الله به في مطلع السورة ليبتدئ به سرد تفاصيل قصة مريم وما جاء بالسورة من الأخبار.[٦]
فمن قال أنّ هذه الكلمة هي اسم من أسماء الله فسّرها بأنّ: “الكاف”: حرف من حروف اسم الله الذي هو اسم الله كبير، وقيل أنّ المراد بها حرف من حروف اسم الله تعالى الذي هو كافٍ، وقال آخرون أنّ المراد بها حرف من حروف اسم الله تعالى الذي هو كريم، فيكون المقصود من حرف الكاف في بداية الكلمة وفق هذه الأقوال أنه يشير إلى أحد أسماء الله التي تبدأ بحرف الكاف، أما بالنسبة لحرف “الهاء” فقيل بأنها حرف من حروف اسم الله الذي هو هاد، أما بالنسبة لحرف الياء فقد اختلف المفسرون في تأويله؛ فقال بعضهم بأنّ “الياء”: يمين، وقيل أنها حرف من حروف اسم الله الذي هو حكيم، وقيل هي من حروف قول القائل: يا من يجير، أما بالنسبة لحرف “العين”، فقيل أنّ المراد به حرف من حروف اسم الله تعالى الذي هو عالم، وقيل هي حرف من حروف اسمه تعالى الذي هو عزيز، وقال آخرون بأنه حرف من حروف اسم الله تعالى الذي هو عدل، أما بالنسبة لحرف “الصاد”: فقيل أنه حرف من حروف اسمه تعالى الذي هو صادق.[٥]
الحروف المقطعة في القرآن الكريم
بعد التعرف على معنى قول الله تعالى: {كهيعص}،[٧] والذي ورد في مطلع سورة مريم كما مرَّ بيانه في الفقرة السابقة؛ فلا بد من بيان المراد بالحروف المقطعة عمومًا في القرآن الكريم، فإن هذه الحروف كما قال أهل البيان أنها من الافتتاحيات الحسنة والرائعة التي يُبتدأ بها الكلام، ففي القرآن الكريم تسع وعشرون سورة كريمة تبدأ بحروف الهجاء المقطعة من مثيلات قول الله تعالى {كهيعص}، ومن هذه السور ما يبدأ بحرف مقطَّعٍ واحد وهي ثلاث سور؛ سورة ص، وسورة ق، وسورة ن، ومن هذه السور ما يبدأ بحرفين مقطَّعين، مثل؛ سورة غافر وسورة فصلت وسورة الشورى وسورة الزخرف وسورة الدخان وسورة الجاثية والأحقاف والنمل وطه ويس ومنها ما يبدأ بثلاثة حروف مقطعة؛ وهي سورة البقرة وآل عمران ولقمان والروم، والسجدة ويوسف ويونس وإبراهيم والحجر والقصص والشعراء، ومنها ما يفتتح بأربعة أحرف مقطعة وهما سورتي الأعراف والرعد، ومنها ما يُفتتح بخمسة أحرف مقطعة وهما سورتي مريم “كهيعص”، وسورة الشورى”حم عسق”.[٨] أما بالنسبة لأقوال أهل العلم في هذه الحروف ومعناها، فإن للعلماء فيها اتجاهين هما:[٩]
الاتجاه الأول:
يرى أصحاب هذا الاتجاه إلى أنه يجب عدم الخوض في بيان معاني هذه الحروف، وأنها من المتشابه الذي لا يعلم حقيقته إلاّ الله تعالى، وقد نُسب هذا القول إلى الخلفاء الراشدين الأربعة وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين ومن الفقهاء ابن حزم الظاهري وغيره، وقال أصحاب هذا الاتجاه أنه إنما ينبغي علىالمسلم أن يؤمن بهذه الأحرف على حالها ويقرأها كما هي دون تحليلٍ أو تفسير أو تحميلٍ لما لا تحتمل من المعاني، وقيل إن منع أصحاب هذا الفريق من البحث في أسرار هذه الأحرف إنما كان بسبب أن المراد منها كان واضحًا معلومًا، وهو أن تكون بابًا يتحدى الله به العرب من الإتيان بمثلها أو بشيءٍ.[١٠]
الاتجاه الثاني:
يرى أصحاب هذا القول أنّ الحروف المقطعة لها معانٍ تُشير إليها؛ ودليلهم أنّ الله تعالى يستحيل أنّ يُخاطب عباده بالقرآن الكريم بما لا يفهمون أو بما لا تفسير له.[١٠] وبالنظر إلى الاتجاهين يمكن التوفيق بينهما بما ذهب إليه بعض أهل العلم من أن المراد من هذه الآيات والأحرف المقطعة إنما لبيان وجه الإعجاز في كتاب الله تعالى للعرب حينها، فكأن الله يقول للعرب أن هذه الأحرف إنما هي من لغتكم ويتكلم بها لسانكم ليغريهم بأن يحاولوا مجاراة كلامه والإتيان ولو بشيءٍ من مثل هذه الآيات من خلال استعمال أحرف اللغة التي يستعملونها في كلامهم ولكنهم ما استطاعوا ولن يستطيعوا، وإلى هذا الرأي ذهب المبرد وقطرب والفراء وغيرهم من أهل العلم، فتكون كل سورةٍ من سور القرآن الكريم مقصودةٌ بالإعجاز بذاتها فلن يستطيع العرب الإتياب بمثل سورةٍ من سور القرآن ولا حتى بمثل آيةٍ من سورةٍ منه.[١٠]