نهاية مأساوية لرجل الأعمال الشهير محمد فريخة…

نهاية مأساوية لرجل الأعمال الشهير محمد فريخة…
شهدت الساحة الاقتصادية والقضائية في تونس خلال الأشهر الأخيرة تطورات متسارعة ودراماتيكية في ملف رجل الأعمال والنائب السابق محمد فريخة، مؤسس شركة “سيفاكس للطيران”. فقد أعلنت محكمة الاستئناف بتونس يوم 19 ديسمبر 2023 إفلاس الشركة رسميًا، معتبرة إياها في حالة تعسّر عن السداد منذ 10 جوان 2022، مع تكليف القاضية سونيا بن مسعود بالإشراف على كامل إجراءات الإفلاس.
هذا القرار مثّل محطة فارقة في مسار شركة أُسّست عام 2011 وسط آمال كبيرة بأن تضع تونس على خريطة الطيران المدني الخاص، لكنها سرعان ما دخلت في دوامة من الصعوبات المالية والتشغيلية. فقد توقّف نشاطها سنة 2015، قبل أن تحاول محكمة صفاقس إنقاذها بقرار قضائي في 2017، ثم أُعيد طرح خطط جديدة في 2019، غير أن كل تلك المحاولات لم تُثمر عودة فعلية إلى السوق التونسية، واكتفت الشركة بمحاولات تشغيل محدودة بالخارج.
تداعيات الإفلاس لم تتوقف عند الجانب الاقتصادي، إذ تزامنت مع مسار قضائي معقّد يخصّ مؤسسها. فقد تم إيقاف محمد فريخة في 12 سبتمبر 2023، تنفيذًا لبطاقة جلب صادرة عن القطب القضائي المالي والاقتصادي. وفي ديسمبر 2024، قررت دائرة الاتهام المختصة بقضايا الفساد المالي إحالته إلى الدائرة الجنائية للفساد المالي، رفقة وزير النقل الأسبق عبد الكريم الهاروني وعدد من المسؤولين السابقين، في ملف شائك تداخلت فيه قضايا الإفلاس والتمويلات والقرارات الإدارية.
وفي فيفري 2025، خرج فريخة عن صمته، مؤكدًا أن كل الاختبارات القضائية أثبتت أنّه لم يجنِ أي مكاسب شخصية من تأسيس “سيفاكس”، بل ضخّ أمواله الخاصة وتكبّد خسائر فادحة، معتبرًا أن الشركة تعثرت بسبب “تعطيلات متعمدة وإشاعات ومؤامرات”، لا بسبب سوء إدارة أو اختلاس.
لكن المفاجآت لم تتوقف هنا، إذ برزت أصوات داخل البرلمان تحذّر من أن هذا الإفلاس قد يكون مقدّمة لكشف “حقائق مدوّية”. النائبة فاطمة المسدي اتهمت وزارة النقل بتجديد ترخيص الشركة رغم تدهورها المالي، معتبرة ذلك تواطؤًا أو على الأقل تقصيرًا إداريًا خطيرًا.
إلى جانب ذلك، وجّه دفاع أحد الدائنين اتهامات خطيرة مفادها أنّ “سيفاكس” شاركت في نقل عشرات الآلاف من الشباب التونسي نحو تركيا خلال سنوات الأزمة السورية، في رحلات لم يكن واضحًا مصير الكثير من ركابها بعد وصولهم، وهو ما فتح بابًا جديدًا من الجدل حول أبعاد هذا الملف وتقاطعه مع قضايا حساسة تتجاوز الجانب المالي والتجاري.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد تسبّب توقيف فريخة – الذي كان يمول الشركة من ماله الخاص – في انسحاب شركاء استراتيجيين وسحب الأساطيل المستأجرة، مما عجّل بانهيار المشروع. ومع إعلان الإفلاس رسميًا، أصبحت خسائر المساهمين والدائنين والمئات من العاملين السابقين في مهب الريح، ما جعل هذا الملف من أكثر القضايا إثارة للجدل في تونس منذ سنوات.
وبين إفلاس الشركة، تواصل المحاكمات، وتراكم الاتهامات، يبدو أن قضية “سيفاكس للطيران” لن تُغلق قريبًا، بل ستظلّ محطّ أنظار الرأي العام، في انتظار ما ستكشفه جلسات المحاكمة القادمة من تفاصيل قد تغيّر الكثير في صورة هذا المشروع الذي بدأ كحلم وطني وانتهى كملف قضائي مثقل بالأسرار.